ولادة هواية
شغوف بالتصوير الفوتوغرافي، محب للمناظر الطبيعية الجميلة. اعتدت الذهاب إلى الشاطئ بانتظام أملا في أن أنجح في التقاط بعض الصور الاحترافية. عادة ما تكون الزيارة يوم السبت، وبالتحديد ساعة أو ساعتين قبل غروب الشمس. لحظات زمنية، تتزين خلالها الطبيعة بريشة الألوان الدافئة، وتميزها تركيبات فريدة يهديها الخالق بسخاء، تلهمني وتمكنني دائمًا من الوصول إلى مبتغاي.
صراحة، أنا بصدد خوض تجربة جديدة ومتواضعة، أسعى من خلالها إلى ملامسة الطبيعة انطلاقا من عدسة الكاميرا، أسعد خلالها بالتقاط لحظات من اللوحات الجميلة التي يهديها لنا الخالق. في يوم من الأيام، وأنا أستعد لالتقاط صور لغروب الشمس، كانت السماء محملة بالسحب رمادية اللون والنوارس منشغلة برقصات غريبة لا تعرف خباياها إلا الرياح. وحين اقتربت من مصب وادي الشراط، أثار إعجابي طيورا منهمكة في البحث عن قوتها لتروح بطانًا قبل مغيب الشمس. بدون تردد، التقطت بعض الصور إلا أن صوت آلة التصوير أفزع الطيور فغادرت المصب بسرعة. من حسن الحظ، وبفضل الأشعة الذهبية، تمكنت من التقاط صور جميلة. في تلك اللحظة أحسست ببداية شغف جديد. بفضل التجربة الأولى، عاودت الزيارة لمرات متكررة إلى المكان نفسه. هناك كنت أركز جيدا على التقاط أي فرصة تصوير لطير عابر، لطير فريد أو نادر، ألتقط حركاته وتنقلاته، دون أن أنشغل بعدسة التصوير التي لم تكن مناسبة لمثل هذا العمل، كنت أضطر للاقتراب أكثر من الطائر، والنتيجة هي كنت أنجح في التقاط الصور للطيور الأقل خوفا من الإنسان. مع توالي الايام، اعتادت بعض الطيور وجودي في فضائها الطبيعي، ما سمح لي بتصويرها بسهولة. لم يكن التمرين سهلا مع أنواع الطيور الأكثر سرعة وحركة، فأصبح الأمر معقدا بالنسبة لي كلما حاولت التقاط الصور نفسها مع طائر الخطاف. كان سريع الحركة، تأخذ تنقلاته أشكالا بهلوانية، يؤديها الخطاف بخفة، يفقد معها نظام التركيز التلقائي للكاميرا جميع فرص تعقبه. التقطت عشرات الصور قبل أن أنجح في تحقيق أولى الصور الواضحة لطيور الخطاف، رغم ضعف الإضاءة التي عقدت من مأموريتي. كانت الصور الأولى مشجعة إلى حد ما، وكلما اطلعت عليها عبر شاشة الحاسوب، ينتابني إحساس جميل على حظي الذي أتاح لي الفرصة لكي أشاهد عن قرب هذه المخلوقات الجميلة.
أتوجه أسبوعيًا إلى مصب وادي شراط على أمل العثور على أصناف أخرى من الطيور لتصويرها. ونادرا ما يخيب أملي في ذلك. عند العودة الى البيت مساءً، أنزل الصور باستعجال على جهاز الكمبيوتر وبكل شغف للتعرف على هوية وصنف الطيور الملتقطة بعدستي. لم تكن مهمة سهلة، لشخص مثلي، لا زال في بداياته ومعرفته بعلم الطيور محدودة للغاية. مع الاستمرار في تصوير هذه الكنوز النادرة، استشعرت حجم الضرر الذي تسببت فيه المباني الاسمنتية، والتوسع العمراني الذي أثر بشكل كبير على الفضاءات الطبيعية، زد على ذلك الإهمال والتلوث الذي يخلفه المصطافون والسكان المحليون على حد سواء، مما سبب في نفور العديد من الطيور حيث لم تعد تجد فيها مستقرا آمنا لها.
نحن من يتحمل مسؤولية هذا الضرر البيئي، لذا علينا جميعا أن نحمي هذا التنوع الحيوي وهذه الثروة الحيوانية التي يهددها الانقراض في حال التأخر في اتخاذ قرارات صائبة وانخراط الجميع لحماية هذه الكائنات الجميلة، حتى لا نحرم الأجيال الصاعدة من حقها في الاستمتاع بوجودها.
عبدالرحيم دراجي